الاثنين، 4 مايو 2015

”صلحا“ تسكن عدلون

 ما بين بلدة صلحا وبلدة عدلون قصة طويلة بدات بمجزرة ارتكبتها اسرائيل عام 1948 في صلحا وتوطدت العلاقة بينهما في مخيم العرش بعدما اختار أهلي صلحا جانباً من مشروع المياه لبناء خيامهم التي تحولت إلى مخيم، والآن هو بلدة بحد ذاته.

تقع بلدة صلحا على الحدود الفلصطينية الى الجنوب من بلدة مارون الرأس وجنوبي شرق بلدة يارون خلق الله واشدهم عداوة للمسلمين  اما قصة هذه البلدة المحتلة فهية مريرة لما أصاب اهلها من قتل وتشريد.

ففي سنة 1948 قاتل مجاهدي هذه البلدة الى جانب الشهيد محمد زغيب الذي كان ظابطا في الجيش اللبناني ضد قوات العدو الصهيوني في معركة المالكية وسقط الى جانب الشهيد زغيب عددا من الشهداء, وبعد تفوق الصهاينة بعد ذلك , علمة قوات الأحتلال بوجود سبعين بندقية في هذه البلدة فقامت هذه القوات بدخول البلدة وجمعوا كل من بقي فيها من الرجل.

ـ  قصة ألمجزرةالمجزرة:

يروي احد الناجين من المجزرة، وعذرا منه القول، انه الشهيد الحي العائد الينا بعد 36 عاما ليؤرخ لنا بالصورة الحية وقائع المجزرة وتفاصيلها. انه العائد بعد طول انتظار مع شهداء آخر رحلوا باجسادهم، لكنهم باقون في الوجدان.

يقول الشهيد الحي ـ وامامه "صور بالاشعة" تظهر احداها صورة رصاصة في الرأس على مسافة سنتيمتر واحد من الدماغ وبضعة شظايا منتشرة في الرأس ايضا ـ هذه الصورة هي لرأسي، ثم يسرح بنظره بعيدا ليعيد من جديد شريط المجزرة امام ناظريه، وتخرج من صدره تأوهات تنم عن جرح عميق، ويفتح حدقتيه استفاق من حلم مزعج مستطردا:

"حدثت المجزرة في الساعة الثامنة من مساء شهر محرم الموافق 21 تشرين الاول عام 1948، وكنا نسمع ازيز الطائرات وقصف المدافع والدبابات من بعيد، أي قبل دخول “الاسرائيليين” قريتنا.

ولدى اقترابهم اخذ “الاسرائيليون” يمشطون اطراف القرية، فانسحب اثرها معظم ابناء القرية ودخلها الصهاينة، واخذوا ينادون بمكبرات الصوت: "اخرجوا عليكم الامان" وهذه عادتهم في كل المجازر التي ارتكبوها وآخرها مجزرة سحمر في البقاع الغربي.

ويضيف: بقي من ابناء صلحا 120 شخصا فقط، وكنا من مختلف الاعمار، خرجنا الى ساحة غربي المسجد، امام منزل الحاج ديب سلامة، وقد وثقنا بالوعد الغادر، اذ ذاك امرنا الصهاينة بالجلوس ارضا في زاوية مثلثة الشكل وحذرونا من ان الموت سيكون مصير من يقف، وقاموا بنسف المسجد ثلاث مرات، لكن المسجد لم ينهار، في وقت احاطت بنا 20 دبابة “اسرائيلية” احصيتها. ثم سمعت قائد الحملة يقول: "اريد التفاوض مع المختار"، وكان يومها نعيم اسماعيل سلامة، فقال له: "اريد 70 بندقية من القرية"، رد المختار: "لا يوجد لدينا سلاح، لان المسلحين من ابناء القرية قد غادروها، ونحن عزل من السلاح".

اذ ذاك يتابع: "جاءت الاوامر لاسلكيا لاحد الضباط بنسف 70 منزلا، لكنه رد قائلا: من الايسر ان احتل سبعين قرية قبل ان انتهي من نسف 70 منزلا (مشيرا بذلك الى الوقت والمتفجرات اللازمين لهدم المنازل المذكورة). فجأة وبدون سؤال انهمر علينا الرصاص بغزارة، وكان عمري اثناءها 13 عاما، فاستلقيت ارضا، ولم يكتف الصهاينة بذلك، بل اخذوا يرموا بالقنابل بيننا، ولم اعد ارى شيئا في تلك اللحظة، لانني فقدت الوعي".

وفي اليوم التالي، يقول الناجي من المجزرة: "جاءت جدتي وتفقدتنا، وحملتني الى منزلها وقالت لي لقد استشهد الجميع". كنت اسمع ذلك وقد فقدت نظري في تلك الاثناء.

ويروي آخرون من ابناء القرية ـ الذين نحوا من المجزرة ـ "كنا نسمع اصوات الرصاص وصراخ الضحايا ونحن على بعد امتار معدودة من صلحا قريتنا، كنا نسمع كل ذلك ونحن على اطراف قرى مارون ويارون وعلما، دون ان نحرك ساكنا او ندري ماذا نفعل، وكأننا تسمرنا في اماكننا او كأنت

الدماء تجمدت في عروقنا. وفي ليلة المجزرة تسلل عشرون شخصا منا الى القرية، وقاموا بنقل جثث الشهداء الى المسجد، ولوحظ ان معظمهم قد تفجرت امعاءهم من شظايا القنابل، واكتشفنا ان من بين الشهداء من بقي على قيد الحياة جريحا. فحملنا هؤلاء الى خارج القرية الى بلدة بنت جبيل ومنها الى مستشفى في منطقة الصنائع في بيروت، بعد ان احصينا 105 شهداء هم ضحايا المجزرة المريعة.

ويضيف بعض من التقيناهم من ابناء القرية قائلين: "لم يكتف الصهاينة بهذه المجزرة الرهيبة، بل  قاموا بجرف المسجد مع الجثث وبتدمير المنازل بعد "تفريغها" من محتوياتها ومصادرة ارزاق الناس ومجوهراتهم.

ونعود الى ابن صلحا. الذي نجا من المجزرة، لنسأله عما حدث بالقرية بعد المجزرة فيقول: "لقد ازال الصهاينة معالمها ودمروها تماما والقوا بحجارتها في بركة القرية الكبيرة التي تبلغ مساحتها 50 دونما تقريبا. وعلمنا فيما بعد ان العدو لم يكتف بجرف المسجد والقرية، بل عمد الى جرف البركة ايضا ورمي كل شيء في واد جنوبي صلحا، وكأنه اراد من خلال ذلك اخفاء الجريمة ـ كما يفعل كل مجرم ـ .