السبت، 22 أغسطس 2020

حرب منازل وغرف ومواجهات وجهاً لوجه في مارون الراس

تجنبت الميركافا السير على الزفت والطرق التقليدية الزارعية، وشقت لنفسها طرقاً فرعية التفافية في المنحدرات والسفوح خشية السقوط في حقول العبوات الناسفة، لأن أشلاء الدبابة التي تجاوزت الشريط الشائك قرب خلة وردة في عيتا الشعب بعد ساعة من عملية الأسر ضاعت في حرج الصنوبر بعدما تناثرت جراء وقوعها في شرك كبير من العبوات الناسفة.
أرسلت مجموعة الرصد المتقدمة للمقاومة برقية عاجلة، أكدت فيه عبور دبابة واحدة الشريط الحدودي الشائك بالقرب من مقام "محمد الشهيد" في منطقة تابعة عقارياً الى مارون الراس ويسميها الأهالي "الشقة".
لم تتمكن مجموعة الرصد من تحديد وجهة سير الدبابة الأولى بسبب إجراءات التمويه التي قامت بها، وبعد قليل تبعتها دبابة ثانية، وفعلت مثلها، واتضح بعد ذلك لغرفة العمليات في بنت جبيل أن دبابتي الميركافا تجاوزتا بلدة يارون، واتجهتا الى مرتفعات مارون الراس المطلة على مدينة بنت جبيل نفسها وعيناتا، وعيترون.
في داخل البلدة كانت مجموعات المقاومة متأهبة منذ سبعة أيام، ولكن بصمت الى درجة أن الجيش الاسرائيلي ظن أنها خالية من رجال المقاومة، وان عدداً قليل منهم سوف يستسلمون في أول مواجهة.
شعرت الميركافا بالأمان، فسلكت الطريق الرئيسية للبلدة، وتموضعت قبل المفترق المؤدي للاستراحة لجهة يارون، كان من المفترض أن تظل تحت مراقبة المقاومة لاقتيادها الى المصيدة التي أعدت لها قبل أيام.
في يوم الأربعاء 19 تموز الذي سبق وصول الميركافا الى مارون، والتقدم البطيء للاستيلاء على التلال المطلة على بنت جبيل، خاضت مجموعة للمقاومة معركة مصيرية مع 18 جندياً اسرائيلياً من القوة الخاصة "مغلان" وهي وحدة نخبة في جيش العدو تسللوا ليلاً تحت حماية 4 دبابات الى منطقة الحافور البعيدة عن البيوت الساكنة بالهدوء، وتموضعوا في جبل الباط (غابة مارون). بدأت الاشتباكات حامية الوطيس قبل حلول الظهيرة وانتهت بعد ثلاث ساعات بتدخل الطيران المروحي والحربي لسحب قوة "مغلان" في سباق مع رجال المقاومة خشية العثور على جثة قتيلين اثنين على الأقل من جنود القوة الاسرائيلية، تركا في أرض المعركة، ولسحب نحو تسعة جرحى على الأقل خشية وقوع أحدهم في الأسر. كان ذلك واضحاً من كثافة النار المتبادلة الى حد وجدت المروحيات صعوبة بالغة في الهبوط لسحب الجنود.
لم يتعظ الاسرائيلون من معركة الحافور، وجبل الباط، فأرسلوا الميركافا الى مرتفعات مارون الراس لعزل مجموعات المقاومة في الأطراف داخل الغابة والحافور والبستان والخلة وجبل الباط التي ظلت قادرة على العمل بالرغم من الغارات المتواصلة للطيران الحربي عليها.
كان من المفترض مراقبة الميركافا بحذر الى حيث وصلت واستقرت. لكن موسى حسين فارس حامل قاذف الـB7  اتعبه الانتظار وطول مراقبة هذا الهدف السهل، فأطلق القذيفة التي أصابت الميركافا بخدش في وسطها.
بدت قذيفة موسى كسلاح الأطفال أمام العملاق الحديدي، الذي سرعان ما رد بطلقتين صاروخيتين على مصدر النيران، قال موسى للشباب ان طلقته هي التي اشعلت المواجهات في مارون الراس، وفي تلك اللحظة عندما ردت الميركافا عليه انبطح أرضاً في الجل تحت "المحيط" قرب التينة لأنه لم يعد قادراً على الرؤية بسبب عاصفة من الغبار والتراب والحجارة المتطايرة، لكنه استطاع أن يزحف على بطنه مع زميله الحاج أبو علي الذي شطرت إحدى الشظايا الحادة جهاز التخابر اللاسلكي في يديه الى نصفين "كانت النجاة من الله".
حكى موسى قصة الرمية بحماسة، ووصف الدبابة بإحساس العاشق للشهادة، وتحسر لعدم حمله لتلك القاذفات التي سمع زميله الملقب "جواد" يقول عنها بأنها تحطم الميركافا كما يحطم الأولاد البسكوت بأيديهم.
كان "جواد" قد وصل الى مارون الراس قبل ثمانية أشهر حاملاً معه قاذفة مضادة للمدرعات أخفاها في مكان ما، بعد تكليفه من قيادة المقاومة بإدارة مجموعاتها، ووضع خطط دفاعية عن البلدة.
اتصل الحاج أبو علي بـ"جواد" المرابط مع أحد المجاهدين في مبنى آخر، وحدد له مكان تموضع الميركافا.
قبل ثلاثة أيام كان "جواد" ينام بالقرب من سلاحه الذي سيقهر الميركافا، يغطيه ببطانية سوداء ويسهب في سهرات ما قبل التقدم البري الاسرائيلي في تعداد محاسنه وفعاليته، وكان يختم كلامه: "انتظروا سترون بأعينكم كيف ستذوب الميركافا".
حمل المجاهد، و"جواد" القاذفة وانطلقا مشياً تحت شجر التين والزيتون للالتفاف حول الميركافا واستهدافها في وسطها، ومعالجة خدش قذيفة الـB7 بالاستئصال.
كان صوت المجاهد على الجهاز اللاسلكي المحمول واضحاً وهو يقول: "انتم لا تدركون ماذا ينتظركم، تريدون احتلال مارون الراس".
يقول الحاج أبو علي أحد الذين خاضوا المواجهات انه سمع المجاهد يصرخ "الله أكبر...يا أبا عبد الله" بعد ذلك شاهدنا الدبابة الأولى تشتعل، بعد قليل "طلع على الموجة "جواد"، وأعلن الخبر الذي تناقلته وسائل الاعلام كافة، تم تدمير دبابة ميركافا على مدخل بلدة مارون الراس، والدبابة الثانية أصيبت أيضاً".
ويبدو أن قيادة الجيش الاسرائيلي التي تجنبت دخول الأنفاق في جبل الباط لم تدرك ايضاً انها اُستدرجت الى وسط مارون، وحتى بعد تدمير الدبابتين اعتقدت أن مارون لن تقاوم، فدفعت بالمزيد من الدبابات والمشاة التابعين لوحدة ايغوز للسيطرة على شريط من المرتفعات الاستراتيجية للتقدم منه نحو مدينة بنت جبيل.
تلقى "جواد" اتصالاً أبلغه بأن الملرصد المتقدم شخّص قوة اسرائيلية من عدة عناصر تتمركز في أحد بيوت البلدة، المطلوب محاصرتها واعتقال عدد من الجنود.
قام "جواد" بتوزيع الافراد، وحدد المسؤوليات، ولم ينس تكليف أحد الشباب بإحضار سيارة مدنية كافية لحشر خمسة جنود بداخلها على الأقل، كانت مهمة استشهادية.
ويروي الحاج أبو علي تفاصيل مثيرة جداً عن عملية الاقتحام، فخلال دقائق معدودة شلت نيران المقاومة قدرة القوات الاسرائيلية على الحركة، كان صوت "جواد" على الجهاز اللاسلكي المحمول يعد بأنه سيرسل هدية ثمينة الى سماحة السيد.
كان صراخ الجنود هستيرياً عندما دخلت صواريخ الـB7  من الشبابيك والأبواب الى الغُرف، وارتفاع صراخهم في تلك اللحظة التي قفز فيها "جواد" الى المصطبة ورمى قنبلة يدوية قبل ان يفتح نيران رشاشه وهو يقتحم المدخل، وفي تلك اللحظة كان صديق جواد ورفيقه في المهمات يقوم بإشغال القوة الاسرائيلية المحاصرة من خلف المنزل، رمى بدوره قنبلة يدوية في الشباك إلى احدى الغرف مع صليات من رشاشه، وأثناء انتقاله إلى شباك آخر لرمى القنبلة استهدفه قناص اسرائيلي من احد البيوت، فسقط شهيداً، وبعد لحظات استشهد "جواد" برصاص أحد الجنود الاسرائيليين المتخفي خوفا على "التتخيتة" فوق الحمام.
مجموعات المقاومة أدركت ان عملية الأسر لن تكون ممكنة بعد الآن، خصوصاً بعدما أعطت قيادة الجيش الاسرائيلي أوامر صارمة لجنودها بالتراجع والانسحاب إلى منازل أكثر أمناً، وخلال عملية التراجع لاحقت المقاومة فلول الهاربين، الذين تحصنوا في أماكن يمكن الدفاع عنها بانتظار وصول تعزيزات اسرائيلية اضافية لفك الحصار عن القوة، عندها دارت اشتباكات عنيفة من بيت الى بيت شاركت فيها الدبابات والمروحيات والطيران الحربي قبل أن تتوقف عند حلول الظلام بتموضع المقاومة وعناصر الجيش الاسرائيلي في بيوت متقابلة.
خلال معركة "البيت"، شاهد الرصد في المقاومة قوة اسرائيلية من نحو سبعين جنديا من المشاة في الجيش الاسرائيلي تهرول ركضاً يسيطر عليها الخوف والتعب والقلق وتريد الوصول الى ساحة البلدة لمساندة القوة المحاصرة، بدت القوة تائهة لا تعرف الاتجاهات وهي تسير في منطقة مكشوفة لا شجر ولا بيوت فيها.
أوعزت المقاومة لمدفعية الهاون بالتعامل معها ما أدى الى سقوط العديد من أفرادها بين قتيل وجريح، وشوهد عناصرها يتقهقرون نحو الخلة ويحاولون الاحتماء من القذائف المنهمرة عليهم كالمطر بالبلان والصخور، تاركين القتلى والجرحى خلفهم، عدد محدود من الجنود هرب إلى الأمام ولجأ إلى بيت أهل الشهيد غسان علوية فتم التعامل معهم بالأسلحة المناسبة.
وفي مكان ليس ببعيد عن طريق البستان وصل أكثر من ثلاثين جندياً اسرائيلياً مرهقين من المشي والزحف والتخفي، وعلى مشارف البلدة لم يكن أمام هؤلاء البائسين سوى اللجوء إلى أول منزل يقع في طريقهم، وعندما دخلوا إلى منزل الشيخ للاستراحة من تعب تسلق المرتفعات من مستوطنة أفيفيم القريبة الى مارون الراس الشامخة في أعلى الجبل استقبلتهم مجموعة للمقاومة بالرشاشات، ودارت اشتباكات بين الغُرف ووجهاً لوجه، وقبل ان يفروا من المواجهة شاهد رجال المقاومة جنوداً من ورق.
لم تنته معركة مارون الراس فبينما كانت سيارة مدنية تقل نساء وأطفالا إلى بنت جبيل أطلقت وحدة اسرائيلية متخفية بأحد المنازل النار على السيارة ما أدى الى استشهاد سائقها فوراً، إلاّ أن صاروخاً موجهاً عن بعد للمقاومة رد على مصدر النيران ما أدى الى مقتل وجرح جميع جنود الوحدة الاسرائيلية، واعترفت اسرائيل لاحقاً بمقتل 4 من جنودها بينهم الرائد "بنيامين هيلمان"، وعلى الفور تدخلت المروحيات لسحب القتلى في معركة استمرت لساعات دون توقف، اصيبت قيادة الاحتلال فيها بالذعر وتصرفت بهستيريا لاعتقادها بأن معركة "البيت" تكاد تتكرر عند سفح الجبل مقابل مهنية بنت جبيل، فقد تم سحب القوة وتبين أن الرقيب أول "يهونتان فولسيوك" مفقود.
كانت المقاومة تسيطر على الأرض، وخلال 24 ساعة من المواجهات العنيفة دفعت اسرائيل بقوات ضخمة للحيلولة دون وصول عناصر المقاومة الى البيت الذي هدمته صواريخ ساغر فوق "فولسيوك"، وساهمت صور الاقمار الصناعية، وطائرات التجسس في تحديد مكان وجوده قبل نجاح احدى المروحيات في انتشاله، وفي تلك اللحظة دب الخلاف في اسرائيل، وصرخ القادة في وجه رئيس الاركان يطلبون منه انتشال الجيش من مارون وإعادته الى ما وراء الحدود مع لبنان.
بعد مواجهات مارون الراس ساد الاعتقاد في قيادة الجيش الاسرائيلي بأن الطريق الى بنت جبيل باتت مفتوحة، فقررت سلوك طريق البستان انطلاقاً من منطقة الحافور الى الاحياء الشمالية للبلدة المشرفة.
خلال ساعة من الزمن في اليوم التالي لسحب جثة "فولسيوك"، شقت دبابة واحدة طريقاً فرعياً كان عبارة عن مجرى للسيل في الشتاء، ووصلت الى ساحة البلدة دون اي مقاومة، كان الهدوء يسكن المنازل المخلعة أبوابها بعد موجة من الغارات الجوية العنيفة. تأكد طاقم الدبابة من عدم وجود اي قوة للمقاومة، فأوعز الى رتل كبير مؤلف من عشرين دبابة وناقلات جند وشاحنات تموين سلوك الطريق نفسها، وقبل أن يصل الرتل الى المسجد القديم، ومن المرتفعات المحيطة بمجرى السيل، انهمرت عليه القذائف المضادة للدروع، وما هي إلاّ لحظات حتى ترك الجنود الآليات وهربوا نحو منطقة الحافور، كان صراخهم يتردد في الوادي، أحد العجزة من آل فارس كان موجوداً في بيته على طريق البستان، لم يغادر هو وزوجته البلدة أبداً، أكّد أنه شاهد بعينه الجنود يفرون وأن واحداً منهم لجأ الى بيت الكلب واحتمى بداخله يبكي، وأضاف أن الدبابات المدمرة ظلّت متروكة في مكانها حتى يوم الهدنة قبل أن يسحبوها، وبعد الهدنة تقدمت الدبابات الاسرائيلية تحت حماية المروحيات، وعبروا الى ساحة المسجد الجديد في أول البلدة من جهة المهنية وانسحبوا من الطريق نفسها بعد إعلان وقف الاعمال الحربية.
بعد عشرة أيام على وقف الاعمال العدوانية، عاد أهل مارون الى منازلهم، شاهدوا بقايا آثار المعركة الحامية وبقايا آثار دماء قتلى وجرحى العدو، لكنه حتى اليوم لا يعرفوا أن المقاومة حاصرت قوة من وحدة ايغوز الاسرائيلية لساعات ثقيلة، وكادت أن تأسر خمسة منهم  لولا أن الله اختار منهم "جواد" والمجاهد الآخر الى جواره شهيدين.
قاسم متيرك
الانتقاد/العدد1224ـ 20 تموز/يوليو2007

https://archive.alahednews.com.lb/details.php?id=317099

بلدة مارون الراس

الجمعة، 31 يوليو 2020

صور عدلون من عدوان تموز ٢٠٠٦

تعرضت بلدة عدلون في عدوان تموز ٢٠٠٦ إلى اعتداءات اسرائيلية عدة، وتُظهر الصور المرفقة التدمير الذي ألحقته غارة جوية في الطريق الساحلي قرب مفرق الصلوب، واعادة بناء جسر المشروع الذي تعرض القصف. 


الأحد، 7 يوليو 2019

كلمة في تأبين السهل الثاني في عدلون الراحل من هنا، والعائد الى الارض، حسن خضر حاجي الذي وافته المنية في صيف 2019

ماذا نقول في هذا الراحل الكبير الذي استدعانا إلى حتفه الاخير، ماذا نقول، وكل الكلام في حقه قليل، حسن خضر حاجي - أبو قاسم، لمن لا يعرفه، رجل بحجم الارض، قلبه سهل أخضر، قلبه بستان. وإن شئتم فهو السهل الثاني في عدلون.
هو ابن هذه الارض ولد من ترابها عندما كانت المعاول تتحدى الفقر، وكان العوز والكرامة من علامات الرجال، كان الحاج خضر يرى ابنه حسن ينكش الأرض البعل ويرويها من الغمام، قبل ان يأتي المشروع بمياه الليطاني، وينبت من جفاف الأرض خيرات على مد العين والنظر.
حسن خضر - ابو قاسم، هو الذي عاش مع جيل الكبار وحكى اخبارهم، هو امتداد لتلك الحكاية التي تجسد صورة الضيعة المسكونة بالمحبة. بموتك ماتت الضيعة، ذبلت الثمار، عطِشَ التراب، يبس العشب، هرب السحاب. كأن الارض تعلن حزنها، أو انها تفرح بك لأنها تستعيدك إلى بطنها.
كان شكورا حين تجود عليه الأرض، وحين تمنع عنه مواسمها، كان ضمير الشغيلة وصوتهم واحلامهم في بطاقة ضمان أوتعويض عن تعب العمر.
ظل حسن خضر يكد في الارض، لم تسمح له بأن يتقاعد ويجلس على مسطبة اخر العمر يتأمل حال الدنيا. لم يستريح إلا حين خفت نفسه ودخل في غيبوبة السفر الأبدي. لماذا تترك الأرض شغيلتها يواجهون قسوة الحياة.
ستون حزنا وقلبك يخفق على مهل، كأن نبضك في الارض وروحك في السماء، أنت شبيه بساتين الله لا تسقط حين تموت. ستون انتظار والخفقان معلقا بالأمل. ستون يوما وانت تعاند الموت، تتنازع معه على الرمق الأخير، ستون يوما وأنت تغلب الموت يوما، فيغلبك ساعة. لم تستلم له، لكنك سلمت روحك بسلام إلى إلى ربها.
حسن خضر، ليس موتا عابرا انه قصتكم، حكايتكم، انتم الذين لا تزالون أوفياء للسهل، للارض، للسماء. تكدون على عيالكم ولا تبالون بالتعب والطين والشوك وقوارض تأكل تعبكم.
ابو قاسم تاريخ من النضال والثورة، ثورته أثمرت زرعا اخضرا ومدارس وطرقات ومنازل كثيرة، ابو قاسم ليس فلاحا عاديا، انه ثورة الأرض حين تُخرج أثقالها.

الثلاثاء، 4 يونيو 2019

طريق المشروع سالكة بعد انتظار ٥٠ عاما


بعد انتظار دام اكثر من ٥٠ عاما قررت مصلحة مشروع الليطاني فتح طريق محاذية لمحرى القناة، وقامت جرافات واليات والمصلحة باستعادة الاراضي التابعة للمشروع وازالت التعديات عن حرمه.
الاجراءات التي قامت بها مصلحة الليطاني تهدف الى وقف الاعتداء على المشروع ومنع تلويث المياه.

طريق المشروع تجرف بيت الحاج خضر حاجي

عندما تستبد الدولة وتتحول قراراتها الى معاول تهدم بيوت المستضعفين من اهلها، وعندما تفتقد قرارات مصالحها للرحمة، وعندما ينزعُ المدراء والمتعهدون من تدابيرهم روح القانون، وعندما تستقوي السلطة الجائرة بقوى الامن ورجال الدرك. عند ذلك تأتي جرافات النظام لهدم بيت جدي خضر الذي بناه قبل اكثر من خمسين عاما، والسبب انها تريد ان تسحب من تحته بضعة سنتمترات من الارض تدعي انها لها. 
نحن مع حملة مصلحة مياه الليطاني  بإزالة التعديات عن مجرى النهر والقناة، ولكن كما هي مصالح السلطة دائما فإنها تبدأ بالمستضعفين وتتجاوز عن المستكبرين، تهدم ربع غرفة وتزيل نصف شرفة، تقلع شجرة وتخرب موسما لفلاح يقتات من ثماره، بينما وبكل وقاحة تغض النظر  عن تجاوزات أصحاب المرامل والجبلات والمصانع والمراعي والدواجن وروافد الزيوت وفضلات الصناعات المدعومة من أزلام النظام، وجبال النفايات العائمة وقساطل المجارير الاسنة التي تعتدي كلها على النهر والمجرى والقناة والبيئة وسكانها وقُراها وزرعها ومستقبلها ومستقبل الاجيال القادمة من البشر والثمر.
يقع بيت جدي خضر عند حافة مجرى المشروع، وعندما قرر جدي بناء بيت عمره في السهل جنب القناة لم يكن يحتاج ولا الى شبر واحد من أملاك الدولة، وكان يعتقد انه بنى بيته الحد على الحد. والان بعد نصف قرن تأتي الدولة الى جدي الله يرحمه وتطلب منه ان يهدم بيته ويتراجع سبعة أشبار الى الوراء. 
طوال تلك السنوات وكلما زرت بيت جدي كنت اقول لهم ان على الدولة ان تكرم البيت وأصحابه لانهم تبرعوا من تلقاء أنفسهم لتجميل حافتي المشروع بالورد الجوري وشتول الزنبق والحبق وعطر البساتين، بينما كان مشروع الليطاني لا يعرف مصلحته، والى الان لا يعرف مصلحته.
لم يقل لنا مشروع الليطاني لماذا استفاق من كبوته بعد كل هذه السنوات ليستعيد حقه الداشر؟. هل يريد توسعة القناة في وقت تتقلص الاراضي المزروعة؟. نحن نخشى على المشروع من الدولة نفسها التي تركت التعديات عن قصد تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون، وبساتين الموز والليمون وكل المزروعات. وكل ذلك من اجل تلزيمات مشبوهة.  ها هي الدولة تترك مشاريع البناء تأكل السهل الاخضر، وتحوله الى غابات من الباطون اليابس، لانها تتهرب من دعم الزراعة والمزارعين، ولا تزال تصر على بيعهم الماء لقاء سقاية اراضيهم.
ربما سيأتي يوما سيتحول فيه المشروع الى اطلال او مجرى للنفايات والذكريات لان مشاريع الشقق الجاهزة لن تترك ارض بور لزراعتها.
الله يرحم روحك يا جدي خضر، فالمساكين الذين اتهموك اليوم بالاعتداء على أملاك المشروع لا يعرفون ان معولك هو الذي حفر القناة في عز الصيف وبرد الشتاء، واذا امعنوا النظر قليلا سيجدون اثار اقدامك على حافة المشروع.



الخميس، 9 أغسطس 2018

"ليلى عباس" سكت قلبها فأبكرت في الرحيل

سأحدثكم عن ليلى.
ليلى في حياتها قدوة وفي موتها عبرة. شريان يتدفق منه الحب. القلب الذي سكت عن الخفقان. الفؤاد الذي استعجل الرحيل إلى الملكوت الأعلى. غيابها المبكر أشعل شوق الأمومة في قلوب الأمهات.  

ليلى، القلب الرقيق الذي توقف فجأة لينذر قلوبنا القاسية. ليلى هي الابن البار للوالدين في وصايا الله تعالى. وصيتها كتبها جناح الرحمة. لا "أف"، ولا "لا". بل قولا كريما يطلع من المهجة مع النجيع إلى السماء السابعة حيث خصص الله للأمهات جنات لا مثيل لها.

ليلى، ثوب الصلاة، و تسبيحة الفجر. ليلى ترانيم الحادي إذا عسعس. نجمة الصبح. أجمل وردة. ليلى تحمل البيت على كفيها كما تشاء. عاشت مطمئنة، ورحلت بنفس مطمئنة.

كأنها أبكرت السفر مع قوافل الحجاج، طافت حول البيت قبل الميقات، ذبحة قلبها كانت آخر أُضاحيها. ستأتي عشية العيد الكبير. ستأتي، تلتقط الدموع وتصنع منها حطبا للمساءات الباردة.

ليلى، حفيدة الحاج خضر أحد أساطير عدلون أجدادنا الذين حولت معاولهم الأرض القاحلة إلى بساتين وعناقيد. اخذت من جدها سمرة الشمس، ونبرة الرياح، وعزيمة التراب.

ليلى، كطائر السنونو تأتي مسرعة مشغولة مؤمنة بنقاء الطهارة، تكون هناك وتكون هنا في القلب. مهما ابتعدت يبقى طيفها أقمار أربعة يظلل المكان، حبل الوتين وفياً. بارا، جدلته بيديها عقدة عقدة وثبتته بالايمان.

ليت في العمر بقية لنعيد إليك دقات القلب ونبضات الروح وخفقان اللقاء.
ليت في العمر عمرا آخر لتعيش ليلى مرتين.

الأربعاء، 1 أغسطس 2018

ابتسام.. بعضنا الذي مات


(1)
 
هي رمشة عين واحدة، ومسافة رمش بينك وبين جنة افتتاحها الله للأمهات قبل أن تحمل حواء بجنينها الأول.
من الجنة وإليها. تعبرين من القلب خطوة. ومن الروح خطوات، وتحث الخطى ارواحنا وراء دعسات عمرك، نَفتقدكِ ثم نَراكِ. كأنك معجزة. أنت هناك وأنت هنا تقفين في يوم الحشر. أمٌ  تمسك بيد ابنها المدلل حتى لا يسقط عن الصراط. 
يوم الحشر في حضنها بردا وسلاما. ابتسام هي الحب حين خلق الله المرأة وعلمها الكلمات.
ابتسام حزنها كالبساتين، والصبح يتنفس من بريق عينها. لونها من الياسمين، ومونة البيت فيض يديها. 
ابتسام ساحة الضيعة، والعريشة وباب البيت والماء والهواء والأرض والسماء، ابتسام مقام النبي ساري حين تفوح رائحة البخور من طيات ايشاربها، وتلتقط عباءتها غبار التراب، وتضرب الشمس رأسها بنور الله.
حين جاء خبر موتكِ أدركتُ اني لا أزال طفلا صغيرا. صار صوت بكائي نحيبا يرجوكِ أن تعودي. حين رأيتُ نعشك مسجى إلى سفر لا رجعة منه تمنيت لو أن يدكِ تأخذني معكِ الى كربلاء حيث الدموع تصعد إلى السماء. صوت بكائي يشبه وهن صرختي الأولى حين وضعتني بطنك في هذه الدنيا.

(3)

من يجمعنا بَعدَكِ على مائدة واحدة. من يُنادي بأسمائنا، من ينتظرنا حين نتأخر في سهرة الليل، من يقرأ بفرح دفتر العلامات، من يسألنا بعد اليوم عن تعبِنا عن وجعِنا عن همِنا. من يغسل ثيابنا، من يحمل إلينا كوب الماء وحبة الدواء. من يتفقدنا في الليل ويشد علينا الغطاء. من يقف على عتبة البيت يودعنا بالدعاء، ويستقبلنا حين نعود بالبكاء. أي يد تهز نومنا لنلحق بصلاة الصبح، أي سحور وأي رمضان. بعدك كل الأشهر صيام.
حين عدنا من الدفن وجدنا أشياء كثيرة قد ماتت معكِ، البيت بعدك بلا روح. ماتت الجدران، ماتت مفاتيح الأبواب، كل اللوحات التي علقتها يدكِ على الحيطان كانت تبكي. برادي الغرف حزينة، ومنشر الغسيل ودرج السطح ومصطبة المساءات الجميلة. 
ابتسام. أمي، حتى شتلة الورد التي سقّيتها على شباك المطبخ وجدناها يابسة. حديقة البيت ذابلة، والبيت كله بعدك جثة هامدة، يأكلها الصمت، أجسادنا توابيت خشب مصلوبة على زفت الطريق تنظر عبوركِ بين البيت والدكان. وحدها المِرآة المعلقة في غرفة نومكِ لا تزال تحتفظ بوجهكِ. نَحسُ بأنفاسكِ في كل الزوايا، نراكِ مع فراشات الليل تطرقين بأجنحتك شبابيك نومنا. هذا حفيدك الأول يغفو على أغنية ولدت من بين أصابعك، وهذا جيش من الأحفاد يسأل عن ابتسامتك المسجاة على الجدار. 
بيتنا كان قارورةً عشق، وابتسام كانت عطر الفل والغاردينيا والحبق والنعناع. ابتسام صلاة الصبح قبل الناس، وتسابيح المعوذتين من شر ما خلق، ووسوسة الخناس. بموتكِ شيعتُ جنازة عقلي معكِ، ومشيتُ خلف النعشِ. وسكنتُ قربكِ في المثوى البعيد حيث أعيش هناك أجمل لحظات جنوني.

(4)

 بَعدكِ يا ابتسام، سَكنت بين أضلعنا الأحزان. الأم حين تموت، ينكسر العمر والظُهر والعصر. تضيع الاحلام، يضيع العشاق. قبركِ يجمعُنا صباح العيد، نساقُ إليكِ، يحشرنا بالعناق، نأتي إليكِ لنستعيد بعضنا الذي مات. نُشعلُ شمعة من عمرنا، ونترك الذكريات تنساب فوق الضريح. نمسح غبار اسمك، نفرك وجوهنا بشيء منكِ، نكتب على بلاط الرخام اسطر وصيتك الأخيرة. ثم نترك خلفنا سورة الفاتحة ونُغادر باشتياق. أمي كبرنا، فكيف يا أمي كبرنا وكيف صار لنا أولاد ولكِ أحفاد، ومع ذلك فنحن أمامك صغار صغار.




الاثنين، 25 سبتمبر 2017

سبع سلاحف نافقة في عدلون في 10 أسابيع… الجنوبيون الخضر: أين وزارة البيئة؟

كتبت فاديا جمعة |  أن تنفق سبع سلاحف في أقل من عشرة أسابيع، وفي منطقة واحدة محددة جغرافيا (شاطىء عدلون) في الجنوب اللبناني، فذلك يثير جملة من الأسئلة، ويستدعي بادىء ذي بدء قرع ناقوس الخطر، وتحديد سلسلة من الإجراءات للوقوف على هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها، وتاليا تحديد الأطر القانونية والعلمية لمواجهة ما يؤشر إلى أخطار تهدد ليس السلاحف فحسب، وإنما مجمل النظم الإيكولوجية البحرية. غالبا ما تتعرض أعداد من السلاحف للنفوق، ولكن بأعداد قليلة وفي فترات متباعدة، فهذه الكائنات البحرية وما تمثل من مؤشر على “صحة” البحر، تتعرض للاصطدام بمركب أو تعلق في شباك الصيادين أو تبتلع أكياس نايلون ما يؤدي إلى نفوقها، ولكن بنسب قليلة، أما أن تنفق سبع سلاحف في أقل من شهرين وفي مكان واحد، قد لا يكون ناجما بالضرورة عن حوادث عرضية، وثمة احتمالات عدة لا يمكن معرفتها إلا من خلال دراسة تقييمية، وهذا أمر غير متاح لقلة الإمكانيات من جهة، ولغياب هذه القضية عن دائرة اهتمام الدولة من جهة ثانية. ما تجدر الإشارة إليه أن المشكلة قد تكون متمثلة في استخدام الديناميت، علما أنه تصلنا بلاغات باستخدامه على الرغم من القوانين الواضحة التي تمنع استخدامه، إلا أن العابثين والمخالفين يملكون أساليب للتواري، ما يستدعي وجود مراقبين دائمين وتعزيز دوريات القوى الأمنية (خفر السواحل)، وما يمثل خطورة في هذا المجال، أن شاطىء عدلون يعتبر موقعا ناشطا لسلاحف البحر، وحالات النفوق هذه تدحض اكاذيب البعض ممن ادعوا أن لا وجود لها في هذه البقعة، فضلا عن أن ثمة ما يبقي من هم في دائرة الاتهام أو الشك بخصوص ادعائهم أيضا بعدم صحة وجود المدينة الفينيقية في نفس الدائرة!!   نفوق ثلاث سلاحف   في هذا السياق، واكب “المرصد الأخضر” التابع لجمعية “الجنوبيون الخضر” في توثيقه التعديات على الحياة البرية، عن حالات جديدة لنفوق السلاحف على شاطئ عدلون. وبحسب الجمعية، فإن “ثلاث سلاحف بحرية وجدت في حالات تحلل بدرجات متفاوتة نهار أول أمس الخميس في 21 الجاري، وتحديدا في منطقة خليج أبو الزيد على شاطئ عدلون”. وكان سبق للجمعية أن أعلنت عن أربع حالات خلال الأسابيع الماضية ما رفع إجمالي عدد السلاحف النافقة إلى سبعة خلال عشرة أسابيع على شاطئ عدلون وحده، وهو أعلى معدل مسجل على الساحل اللبناني. وكانت الجمعية قد ناشدت في بيان سابق وزارة البيئة التدخل لإتخاذ إجراءات عاجلة بغية حماية الشاطئ وإعلانه محمية طبيعية، وفق إقتراح خطي سبق لجمعية “الجنوبيون الخضر”  أن تقدمت به لدى الوزارة منذ نهاية 2014، وإستندت فيه إلى تقريري: مراقبة الموارد البيئية في لبنان Environnementa lRecoures Monitoring in Lebanon – ERML 2012 والذي أدرج عدلون ضمن قائمة صغيرة من خمسة عشر موقعاً هاماً وحساساً صنفها ذات “أولوية قصوى” تستوجب الحماية على الساحل اللبناني، وأحد أربعة منها ذات أهمية مشتركة ثقافياً وبيئياً، وتقرير Marine Turtle Nesting Activity Assessment on The Lebanon Coast -2002 الذي أدرج شاطئ عدلون ضمن قائمة المواقع التي تشهد نشاطاً لتعشيش السلاحف البحرية في لبنان. ولاحقاً أضافت الجمعية إلى الملف معطيات مراقبتها المنتظمة للشاطئ كموقع لملاذ للسلاحف البحرية ونشاط تعشيشها.   مؤشر بيئي خطير   وتقول عضو الهيئة الإدارية في الجمعية المهندسة آية عبود لـ greenarea.me أن “الظاهرة مؤشر بيئي خطير ويعنينا على أكثر من مستوى بيئي واقتصادي، لأن فقدان السلاحف من شأنه أن يلحق أضرارا لا تعوض على صعيد النظام البيئي البحري والشاطئي وبالتالي يؤثر على صيادي الأسماك”. وذكرت عبود أن “الأسباب عدة، ومنها بشكل رئيس التلوث وصيد الديناميت، بالإضافة إلى أن البعض يعمد إلى قتل السلاحف حين تعلق بالشباك، وهو ما يعد جريمة بيئية وإنسانية حقيقة، لأننا معنيون جميعنا بالمحافظة على هذه الحيوانات الجميلة والحيوية والتي تشكل ثروة طبيعية لنا ولشواطئنا”. وقالت: “ان أرنيثوبوليس أو مدينة الطيور عدلون هي مدينة فينيقية تاريخية، غناها بسهلها وآثاراتها وشاطئها الرملي والصخري الأثري، والذي من واجبنا حمايته”. توجهت عبود بـ “الشكر لأهالي عدلون والبلدات الساحلية الذين أبدوا التعاون والحرص على حماية الشاطئ والسلاحف”، وناشدت عبود “وزارة البيئة ووزارة الزراعة التدخل السريع لحماية الشاطئ حيث أننا معنيون كمواطنون ومجتمع مدني ودولة بالتعاون من أجل حماية هذا الشاطئ لما له من أهمية بيئية في النظام الايكولوجي”. وتوجهت بالشكر أيضا الى “قوى الامن الداخلي التي نشط أفرادها مؤخرا في مراقبة استخدام الديناميت” داعية الى “تسيير دوريات بشكل منتظم على الشاطئ لملاحقة الذين يلحقون الضرر به وبالتنوع البيولوجي”، منوهة إلى “دور الصيادين في هذا المجال الذين يحرصون على ممارسة الصيد المستدام”. مرتبط سلحفاة نافقة تذكرنا بالارث البيئي والتاريخي لشاطئ عدلون 

الأحد، 16 أبريل 2017

عدلون تحي السنوية الاولى للشهيد مصطفى حمزة شحادي

تُحي بلدة بلدة عدلون الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد مصطفى حمزة شحادي بحضور أبناء البلدة والقرى المحاورة وبمشاركة شخصيات سياسية وبلدية واختيارية





الأحد، 2 أبريل 2017

"شتي نيسان" يزيد من جمال الربيع

اهدى نيسان بلدة عدلون زخات خفيفة من المطر زادت من جمالها، وشكلت الغيوم لوحة رائعة فوق البحر والجيل. 
وتزامنت هذه الشتوة مع الاستعدادات لزراعة موسم البطيخ.