الأحد، 7 يوليو 2019

كلمة في تأبين السهل الثاني في عدلون الراحل من هنا، والعائد الى الارض، حسن خضر حاجي الذي وافته المنية في صيف 2019

ماذا نقول في هذا الراحل الكبير الذي استدعانا إلى حتفه الاخير، ماذا نقول، وكل الكلام في حقه قليل، حسن خضر حاجي - أبو قاسم، لمن لا يعرفه، رجل بحجم الارض، قلبه سهل أخضر، قلبه بستان. وإن شئتم فهو السهل الثاني في عدلون.
هو ابن هذه الارض ولد من ترابها عندما كانت المعاول تتحدى الفقر، وكان العوز والكرامة من علامات الرجال، كان الحاج خضر يرى ابنه حسن ينكش الأرض البعل ويرويها من الغمام، قبل ان يأتي المشروع بمياه الليطاني، وينبت من جفاف الأرض خيرات على مد العين والنظر.
حسن خضر - ابو قاسم، هو الذي عاش مع جيل الكبار وحكى اخبارهم، هو امتداد لتلك الحكاية التي تجسد صورة الضيعة المسكونة بالمحبة. بموتك ماتت الضيعة، ذبلت الثمار، عطِشَ التراب، يبس العشب، هرب السحاب. كأن الارض تعلن حزنها، أو انها تفرح بك لأنها تستعيدك إلى بطنها.
كان شكورا حين تجود عليه الأرض، وحين تمنع عنه مواسمها، كان ضمير الشغيلة وصوتهم واحلامهم في بطاقة ضمان أوتعويض عن تعب العمر.
ظل حسن خضر يكد في الارض، لم تسمح له بأن يتقاعد ويجلس على مسطبة اخر العمر يتأمل حال الدنيا. لم يستريح إلا حين خفت نفسه ودخل في غيبوبة السفر الأبدي. لماذا تترك الأرض شغيلتها يواجهون قسوة الحياة.
ستون حزنا وقلبك يخفق على مهل، كأن نبضك في الارض وروحك في السماء، أنت شبيه بساتين الله لا تسقط حين تموت. ستون انتظار والخفقان معلقا بالأمل. ستون يوما وانت تعاند الموت، تتنازع معه على الرمق الأخير، ستون يوما وأنت تغلب الموت يوما، فيغلبك ساعة. لم تستلم له، لكنك سلمت روحك بسلام إلى إلى ربها.
حسن خضر، ليس موتا عابرا انه قصتكم، حكايتكم، انتم الذين لا تزالون أوفياء للسهل، للارض، للسماء. تكدون على عيالكم ولا تبالون بالتعب والطين والشوك وقوارض تأكل تعبكم.
ابو قاسم تاريخ من النضال والثورة، ثورته أثمرت زرعا اخضرا ومدارس وطرقات ومنازل كثيرة، ابو قاسم ليس فلاحا عاديا، انه ثورة الأرض حين تُخرج أثقالها.

الثلاثاء، 4 يونيو 2019

طريق المشروع سالكة بعد انتظار ٥٠ عاما


بعد انتظار دام اكثر من ٥٠ عاما قررت مصلحة مشروع الليطاني فتح طريق محاذية لمحرى القناة، وقامت جرافات واليات والمصلحة باستعادة الاراضي التابعة للمشروع وازالت التعديات عن حرمه.
الاجراءات التي قامت بها مصلحة الليطاني تهدف الى وقف الاعتداء على المشروع ومنع تلويث المياه.

طريق المشروع تجرف بيت الحاج خضر حاجي

عندما تستبد الدولة وتتحول قراراتها الى معاول تهدم بيوت المستضعفين من اهلها، وعندما تفتقد قرارات مصالحها للرحمة، وعندما ينزعُ المدراء والمتعهدون من تدابيرهم روح القانون، وعندما تستقوي السلطة الجائرة بقوى الامن ورجال الدرك. عند ذلك تأتي جرافات النظام لهدم بيت جدي خضر الذي بناه قبل اكثر من خمسين عاما، والسبب انها تريد ان تسحب من تحته بضعة سنتمترات من الارض تدعي انها لها. 
نحن مع حملة مصلحة مياه الليطاني  بإزالة التعديات عن مجرى النهر والقناة، ولكن كما هي مصالح السلطة دائما فإنها تبدأ بالمستضعفين وتتجاوز عن المستكبرين، تهدم ربع غرفة وتزيل نصف شرفة، تقلع شجرة وتخرب موسما لفلاح يقتات من ثماره، بينما وبكل وقاحة تغض النظر  عن تجاوزات أصحاب المرامل والجبلات والمصانع والمراعي والدواجن وروافد الزيوت وفضلات الصناعات المدعومة من أزلام النظام، وجبال النفايات العائمة وقساطل المجارير الاسنة التي تعتدي كلها على النهر والمجرى والقناة والبيئة وسكانها وقُراها وزرعها ومستقبلها ومستقبل الاجيال القادمة من البشر والثمر.
يقع بيت جدي خضر عند حافة مجرى المشروع، وعندما قرر جدي بناء بيت عمره في السهل جنب القناة لم يكن يحتاج ولا الى شبر واحد من أملاك الدولة، وكان يعتقد انه بنى بيته الحد على الحد. والان بعد نصف قرن تأتي الدولة الى جدي الله يرحمه وتطلب منه ان يهدم بيته ويتراجع سبعة أشبار الى الوراء. 
طوال تلك السنوات وكلما زرت بيت جدي كنت اقول لهم ان على الدولة ان تكرم البيت وأصحابه لانهم تبرعوا من تلقاء أنفسهم لتجميل حافتي المشروع بالورد الجوري وشتول الزنبق والحبق وعطر البساتين، بينما كان مشروع الليطاني لا يعرف مصلحته، والى الان لا يعرف مصلحته.
لم يقل لنا مشروع الليطاني لماذا استفاق من كبوته بعد كل هذه السنوات ليستعيد حقه الداشر؟. هل يريد توسعة القناة في وقت تتقلص الاراضي المزروعة؟. نحن نخشى على المشروع من الدولة نفسها التي تركت التعديات عن قصد تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون، وبساتين الموز والليمون وكل المزروعات. وكل ذلك من اجل تلزيمات مشبوهة.  ها هي الدولة تترك مشاريع البناء تأكل السهل الاخضر، وتحوله الى غابات من الباطون اليابس، لانها تتهرب من دعم الزراعة والمزارعين، ولا تزال تصر على بيعهم الماء لقاء سقاية اراضيهم.
ربما سيأتي يوما سيتحول فيه المشروع الى اطلال او مجرى للنفايات والذكريات لان مشاريع الشقق الجاهزة لن تترك ارض بور لزراعتها.
الله يرحم روحك يا جدي خضر، فالمساكين الذين اتهموك اليوم بالاعتداء على أملاك المشروع لا يعرفون ان معولك هو الذي حفر القناة في عز الصيف وبرد الشتاء، واذا امعنوا النظر قليلا سيجدون اثار اقدامك على حافة المشروع.