السبت، 23 يوليو 2016

تاريخ عدلون يحتاج الى عناية وحماية: الأثار المنسية

تدل الآثار التي عاندت الزمن، وتحدت البحر، أن الشاطيء الممتد من الميناء الجديد المستحدث في عدلون حتى منطقة أبو الأسود كان عامراً فيما مضى من القرون الغابرة، ولطالما كانت هذه المنطقة امتدادا للحضارات التي تعاقبت على منطقتي صور وصيدا تحديداً. 

لن نستعرض هنا الوقائع التاريخية، وهي كثيرة، فجميع المصادر والمراجع  المعتبرة ذكرت منطقة عدلون بأسماء مختلفة، وأكدت على أهمية ساحل بلدة عدلون. 

لذلك، أريد في هذه المقالة أن أوثق الأثار الصامدة على الشاطيء، لعل هذه التوثيق يحفظها من النسيان، ويُحفذ الدولة ومؤسساتها، وسكّان عدلون، والبلدية، الى حماية هذه الاثار من جور الزمن والإنسان، والعمل على استغلالها بما يفيد التاريخ، ومصلحة عدلون، وكل لبنان. 

لم تبادر الدولة اللبنانية منذ الاستقلال الى يومنا هذا الى رسم خرائط تبين شكل الشاطئ خلال الحقبات الزمنية، لذلك، واستنادا الى ما دلت عليه حفريات غير علمية وغير رسمية قام بها السكان في إطار استصلاح الأراضي خلال القرن العشرين، أن البحر كان يمتد عميقا في أنحاء من السهل، قبل أن يتراجع الى الوراء، وتتمدد التربة بفعل الانجراف وتتحول الى مساحات زراعية. وفي بعض الأماكن منعت الكتل الصخرية الضخمة البحر من التمدد، وحافظ على ثباته لقرون طويلة، وتُعتبر المنطقة الممتدة من جنوب الميناء الجديد المستحدث الأكثر ثباتا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجرف الصخري كان ممتدا عميقا في البحر، بحسب ما تُظهر الأثار التي غمرتها المياه، وهذا الكلام يحتاج الى مسح جوفي للشاطيء لتحديد مساحة الجرف الصخري. 

هذا الْكَلام، يستند الى أثار المسطحات الصخرية التي لاتزال قائمة غرب ملعب كرة القدم، وقد تم ردم مساحة كبيرة منها بالتربة بعد استملاكها وزراعتها، فيما تكفل الموج بهدم بعضها، وقد تمكن البحر من تدمير تجاويف صخرية نادرة لا يُضاهيها سوى تلك الموجودة في منطقة البياضة جنوبي مدينة صور. 

تضم المنطقة التي تُعرف باسم (مغارة الصيادي) أثار نواويس صخرية (قبور) كتلك الموجودة في منطق المغاور، أو في المرتفعات والتلال من بلدة الصرفند حتى مدينة صور، وأغلب الظن أن منطقة مغارة الصيادي هي امتداد طبيعي للجرف الصخري الذي يُعرف اليوم بالمغفور والذي يمتد من مفرق الصلوب حتى مفرق المخفر القديم عند مدخل مخيم العُرش. 

وكان هذا الجرف الصخري الأثري الأكثر روعة وجمالا والأغنى في الأدلة التاريخية على طول الساحل اللبناني 

حتى ستينات القرن الماضي قبل أن تبتلعه العشوئيات، وتعلوه البيوت، وتنخره الطرقات. (سنتحدث لاحقاً عن هذا الجرف الصخري النادر). 

كانت هذه المنطقة فيما مضى تستخدم في صناعة الملح الطبيعي، وتدل بقايا الأجران الطبيعية أو تلك التي حفرتها يد الانسان الأول إلى أن صناعة وتجارة الملح كانت مزدهرة، وقد ساهم الجرف الصخري، والمسطحات الصخرية بناء ممرات تتحكم بحركة انتقال المياه بين الأحواض والأجران، سواء في تعبئتها بالمياه النظيفة أو لمنع المياه من الوصول الى الملح في مرحلة التجفيف أو لتنظيفها لاحقاً.

وظل أبناء بلدة عدلون يعملون في صناعة الملح حتى أواخر السبعينات من القرن الماضي، لكنهم عمدوا الى بناء أجران من الباطون على مرتفعات صخرية لا يصل اليها الموج، والمؤسف أن أجران الباطون أُقيمت فوق الأجران الصخرية القديمة

يوجد على الشاطيء ممرات طبيعية أو تم حفرها تربط الشاطيء بالمياه العميقة، وهذه الممرات شاهدت مثلها في جزيرة أرواد قرب طرطوس، وهذه الممرات كانت تستخدم لسحب القوارب من البحر بهدف إصلاحها وصيانتها، أو من أجل تدشين قوارب جديدة وإنزالها الى المياه لأول مرة بعد الانتهاء من تصنيعها

ويبدو أن المنطقة المجاورة للملاحات كانت تستخدم لصيانة، وصناعة القوارب المتوسطة الحجم، والصغيرة أيضاً

وبما أن الثابت أن المنطقة كانت مزدهرة بصناعة الملح، وبالتأكيد فإن الملح المستخرج من مياه البحر كان يتم تصديره الى الخارج، لذلك فإنه من المنطقي أن يستحدث السكان القدماء مراسي للسفن، وأماكن لصيانتها، وتوفير الخدمات لأصحابها، ومثل هذه الفرضية تحتاج إثبات علمي

تحتاج المنطقة الواقعة الى جنوب الميناء الجديد المستحدث الى عناية خاصة من سكان البلدة بالدرجة الأولى

إن تحويل المنطقة المذكورة الى محمية طبيعية يجب أن يشكل مطلبا عاما وبسرعة من أجل حمايتها ومنع التعديات عليها، والمحافظة على الأثار فيها، ويعتبر ذلك مقدمة لاعادة إحياء الملاحات، وتدريب أبناء البلدة على صناعة الملح وتسويقه، وتأهيل الشاطيء كمنطقة أثار سياحية  كما هو الحال في مدينة صور