الجمعة، 5 يونيو 2015

أجران عدلون في خبر كان، والميناء يبتلع الملح ويقتلع أثار الفنيق.

| كتب قاسم متيرك |
من زمان ليس ببعيد، ربما من خمسين عاما أو أقل من ذلك، كانت العائلات في بلدة عدلون لا تزال تصنع ملحها في مواسم الملح في الصيف وقبل الخريف. صناعة وصلت إليهم بالوراثة عبر قرون مضت، وكما في الماضي، وحتى منتصف السبعينات من القرن العشرين كان الرجال والنساء بصحبة بعض الأولاد يصلون الى شاطىء البحر على الحمير والبغال. كانت كل عائلة تعرف أجرانها المتجاورة. بعض هذه الأجران حفرها الفنيقيون في العصر الحجري القديم، والبعض الآخر صنعته أيدي أبناء عدلون بالباطون. ويروي المرحوم الحاج علي عبدالله متيرك أن منطقة الأجران كانت تمتد فوق مسطح صخري يبدأ من الميناء قبل مفرق الصلوب ويتجه جنوبا حتى بوابة أبو نقولا، وتعتبر هذه الواجهة البحرية منطقة أثرية غنية بالأثار الفنيقية، وهي تضم أجران دائرية ومربعة، وممرات مائية على شكل سواقي محفورة بإتقان كانت تسمح لماء البحر بالعبور في دورة مائية بين الصخور بهدف تعبئة الأجران والفجوات الطبيعية بماء البحر النقي، وقد صمم الفنيقيون القدماء هذه الممرات بطريقة تسمح لهم بالتحكم والسيطرة على حركة المياه، وفتح هذه السواقي وإقفالها لإتمام دورة انتاج الملح الطبيعي. 
لا تزال بعض كتل الصخور الدائرية والمربعة، وبقايا أعمدة على الشاطئ وتحت ماء البحر شاهدة على وجود حياة قديمة كانت قائمة فعليا ما بين البحر ومنطقة المغاور الاثرية ولعل منطقة الأجران كانت تشكل امتدادا طبيعيا للمغاور، وتضم منطقة الأجران الواقعة  على الشاطيء في مقابل مغارة أم البزاز تماماً أثارا فينيقية بالغة الأهمية منها نواويس وقبور ومخازن للحبوب، وأخرى للماء، وربما تدل بقايا الأعمدة والصخور الى وجود معبد فنيقي قديم أقيم في مرحلة ما على الشاطئ. وقد ساهم موج البحر في توسيع بعض التجويفات الطبيعية وتحويلها الى مغاور عجيبة، وقامت يد الانسان بتوسعتها واستثمارها قبل ان يتأمر الاهمال والموج في السنوات الأخيرة على سد هذه الفجوات بسبب الانهيارات أو غزو الرمال لها. 
توارث سكان عدلون صناعة الملح أباً عن جد، وحافظوا على منطقة الأجران كما هي، بل أضافوا أجران من الباطون في المنطقة نفسها وكانوا يقومون بحمل الماء اليها، وقد غاب عن بالهم استخدام الممرات المائية لنقل المياه الى الأجران سواء لتعبئتها أو لإعادة تنظيفها، وقد تكون الانهيارات المتتالية بفعل الموج أو التخريب أو الإهمال هي السبب في عدم استخدام الممرات المائية. 
هذه الأثار ومعها مهنة صناعة الملح، وذاكرة شعبية باتت اليوم مهددة بالاندثار كلياً وقد تصبح في خبر كان، اذا لم تسارع فعاليات البلدة وخصوصا مجلسها البلدي، وبالتعاون مع مديرية الاثار والجهات الرسمية الى إنقاذ منطقة الأجران، والمحافظة عليها ضمن مشروع الميناء السياحي وليس تدميرها أو طمرها أو جرفها. 
إن التجربة الناجحة في إعادة بناء وترميم مقام النبي ساري تُحفزنا نحو اعادة إحياء صناعة الملح البحري الطبيعي في أقدم الملاحات على شاطىء البحر المتوسط، وربما في العالم. وكما ساهم مقام النبي ساري في حلته الجديدة في تنشيط السياحة في بلدة عدلون، ووفر وظائف عدة لابناء البلدة، فإن إعادة تأهيل منطقة الأجران الاثرية وإعادة انتاج الملح وفقاً للطريقة الفنيقية القديمة سيساهم في تحويل عدلون إلى موقع سياحي عالمي. وهنا أقترح أن تقوم البلدية بإسناد إدارة هذا المشروع الى المهندس حسين شميس نظرا الى الثقة التي يتمتع بها، وبالنظر الى دوره وخبرته في تنشيط المرفق السياحي الديني مقام النبي ساري.